المقدمة
في فريضة الحج والعمرة، يؤدي الحاج والمعتمر عدة مناسك، منها الطواف، الذي ينقسم إلى أنواع مختلفة، مثل طواف القدوم، وطواف الإفاضة (الركن الأساسي في الحج)، وطواف الوداع. وقد يجد بعض الحجاج صعوبة في أداء كل طواف على حدة بسبب الزحام أو المشقة، مما يدفعهم إلى التساؤل عن جواز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع. فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
أولًا: تعريف الطوافين
- طواف الإفاضة (طواف الزيارة):
- هو الركن الأساسي في الحج، ويؤديه الحاج بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة، ويسمى أيضًا طواف الزيارة.
- قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
- يجب على الحاج أن يؤديه بعد التحلل الأول (حلق الشعر أو تقصيره)، وإلا فسد حجه.
- طواف الوداع (طواف الصدر):
- هو الطواف الذي يؤديه الحاج عند مغادرته مكة، وهو واجب عند جمهور الفقهاء (غير ركن)، ودليله قول النبي ﷺ: “لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت” (رواه مسلم).
- يسقط عن الحائض والنفساء بلا خلاف.
ثانيًا: حكم الجمع بين الطوافين
اختلف الفقهاء في حكم الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع على قولين رئيسيين:
القول الأول: جواز الجمع بينهما (وهو مذهب الحنابلة والشافعية في الأصح)
- الأدلة:
- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “حاضت صفية بنت حُيي بعدما أفاضت، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: أحابستنا هي؟ قلت: إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة، قال: فلتنفر إذن” (متفق عليه).
- فهم بعض العلماء أن طواف الإفاضة كافٍ عن طواف الوداع إذا كان آخر عهد الحاج بالبيت.
- قال الإمام النووي: “إذا طاف للإفاضة وأراد السفر من ساعته، أجزأه عن الوداع”.
- شروط الجمع:
- أن يكون طواف الإفاضة هو آخر المناسك، فلا يفعل بعده شيئًا من أعمال الحج (كرمي الجمار أو السعي إن كان لم يسعَ بعد).
- أن ينوي الحاج بنية واحدة (طواف الإفاضة والوداع معًا)، أو ينوي الإفاضة فقط ويُحسب له الوداع إذا كان آخر عهده بالبيت.
القول الثاني: عدم الجواز (وهو مذهب الحنفية والمالكية)
- الأدلة:
- أن لكل طواف حكمًا مستقلًا، فلا يصح الجمع بينهما.
- أن النبي ﷺ فرق بينهما في فعله، ولم يرد عنه أنه جمع بينهما.
- الرأي الراجح:
- الراجح هو القول الأول (جواز الجمع) لقوة أدلته، خاصة إذا كان الحاج سيخرج بعد طواف الإفاضة مباشرة، ولم يبقَ عليه شيء من المناسك.
اقرأ ايضا : رمي الجمرات في أيام التشريق
ثالثًا: حالات الجمع بين الطوافين
- إذا أخر طواف الإفاضة إلى وقت السفر:
- إذا أخره حتى وقت مغادرته مكة، فطوافه يُجزئ عن الإفاضة والوداع معًا بنية واحدة.
- إذا نوى الوداع مع الإفاضة:
- يصح أن ينوي الطوافين معًا، بشرط أن لا يعود بعد ذلك إلى مكة إلا بنية جديدة.
- المرأة الحائض:
- إذا حاضت بعد طواف الإفاضة، سقط عنها طواف الوداع، كما في حديث صفية رضي الله عنها.
رابعًا: تنبيهات مهمة
- الأفضلية:
- الأفضل للحاج أن يفصل بين الطوافين عملاً بالسنة، إلا إذا كان هناك مشقة أو زحام شديد.
- النية:
- إذا نوى الإفاضة فقط دون الوداع، ثم خرج من مكة مباشرة، أجزأه عن الوداع عند الجمهور.
- من ترك الوداع:
- من نسي طواف الوداع أو تركه عمدًا، عليه دم (ذبح شاة) عند جمهور الفقهاء.
الخاتمة
يجوز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع عند جمهور العلماء، خاصة إذا كان آخر عهد الحاج بالبيت، ولم يبقَ عليه شيء من أعمال الحج. وهذا الجمع رخصة للتيسير على الناس، خاصة مع المشقة والزحام في أيام الحج. ومع ذلك، يبقى التفصيل بينهما أولى لمن تيسر له ذلك. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.