المقدمة
العمرة من العبادات العظيمة في الإسلام، وهي تُسمى “الحج الأصغر”، لما فيها من التقرب إلى الله تعالى بالطواف والسعي والحلق أو التقصير. وقد اختلف الفقهاء في تحديد المدة بين العمرة والعمرة، وهل هناك حدٌّ زمني معين بينهما؟
حكم تكرار العمرة في السنة الواحدة
اختلف العلماء في تحديد المدة بين العمرة والعمرة على قولين رئيسيين:
القول الأول: لا حدَّ لأقل المدة بين العمرتين
يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أنه لا حرج في تكرار العمرة في السنة الواحدة، ما دام المسلم قادرًا على ذلك بدنياً ومالياً، وذلك للأدلة التالية:
- حديث عائشة رضي الله عنها:
“قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُعْدَلُ بِنَا أَنْ نَأْتِيَ الْحَجَّ وَلَا نَعْتَمِرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً” (متفق عليه).
وهذا يدل على جواز الاعتمار في أي وقت، بما في ذلك تكرارها في فترات متقاربة. - حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
“قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا” (متفق عليه).
ولم يحدد النبي ﷺ زمناً معيناً بين العمرتين، مما يدل على جواز تكرارها متى أمكن. - فعل الصحابة:
- كان ابن عمر رضي الله عنهما يعتمر مرتين في السنة.
- وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: “كان أصحاب النبي ﷺ يَعْتَمِرُونَ في السنة مرتين”.
اقرأ ايضا : الوقوف بعرفة: لحظة التجلّي الأعظم في الحج
القول الثاني: يُستحب ترك مدة بين العمرتين
ذهب بعض العلماء، مثل الإمام مالك، إلى كراهة تكرار العمرة في أقل من شهر، واستدلوا بما يلي:
- أنه لم يُنقل عن النبي ﷺ أنه اعتمر مرتين في شهر واحد، فلو كان الأفضل لتكرر منه ﷺ.
- خشية المشقة على الناس، خاصة إذا كثر الزحام.
- تجنب الإسراف في النفقات إذا لم تكن هناك حاجة ماسة.
الراجح في المسألة
الراجح -والله أعلم- هو جواز تكرار العمرة في أي وقت، سواء في شهر واحد أو أكثر، لأن الأصل في العبادات الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع، ولم يثبت نهي عن تكرار العمرة في مدة قصيرة.
لكن يُستحب مراعاة الأمور التالية:
- القدرة المالية والبدنية دون إرهاق.
- عدم الإكثار من العمرة إذا كان فيه ضرر على الحجاج الآخرين بسبب الزحام.
- التزام الآداب الشرعية في الطواف والسعي.
الخلاصة
- الأصل جواز تكرار العمرة في أي وقت، وليس هناك حدٌّ زمني شرعي بين العمرتين.
- يُستحب ترك مدة معقولة بين العمرتين تجنباً للمشقة والزحام، خاصة في المواسم المزدحمة.
- الأفضل الاعتدال وعدم المبالغة في تكرار العمرة إذا كان فيه إضرار بالنفس أو بالغير.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.